الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ***
فقد أتى الإسلام مبنيا على *** خمس فحقق وادر ما قد نقلا أولها الركن الأساس الأعظم *** وهو الصراط المستقيم الأقوم ركن الشهارتين فاثبت واعتصم *** بالعروة الوثقى التي تنفصم وثانيا إقامة الصلاة *** وثالثا تأدية الزكاة والرابع الصيام فاسمع واتبع *** والخامس الحج على من يستطيع وهذه أركان المرتبة الأولى مرتبة الإسلام، وهي على قسمين: قولية، وعملية. فالقولية: الشهادتان، والعملية: الباقي. وهي ثلاثة أقسام: بدنية وهي الصلاة والصوم، ومالية وهي الزكاة، وبدنية مالية وهو الحج. وقول القلب وعمله شرط في ذلك كله كما تقدم. والنصوص في هذه الأمور الخمسة كثيرة جدا، وهي على نوعين: قسم شامل لجميعها، وقسم يخص كل خصلة منها. فلنبدأ بالقسم الأول ما تيسر منه على حدته، والقسم الثاني مع حل ألفاظ المتن إن شاء الله تعالى. فمن ذلك حديث جبريل السابق ذكره عن الجم الغفير من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، ومنها حديث وفد عبد القيس وقد تقدم أيضا، ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الصحيحين وغيرهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " فقال له رجل: والجهاد في سبيل الله؟ فقال ابن عمر: الجهاد حسن. هكذا حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنها حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه عند أحمد وغيره قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " وإسناده صحيح. ومن ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع، فجاء رجل من أهل البادية فقال: يا محمد، أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله تعالى أرسلك. قال صلى الله عليه وسلم صدق: قال: فمن خلق السماء؟ قال: الله. قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله. قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: الله. قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال، آلله أرسلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم. قال: فزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا. قال صلى الله عليه وسلم: صدق. قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا. قال صلى الله عليه وسلم: نعم صدق. قال: فبالذي أرسلك، آلله أمرك بهذا؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم. قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا. قال صلى الله عليه وسلم: صدق. قال ثم ولى فقال: والذي بعثك بالحق نبيا لا أزيد عليهن شيئا ولا أنقص منهن شيئا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لئن صدق ليدخلن الجنة ". رواه الجماعة وهذا لفظ أحمد. وفي رواية قال: " أمنت بما جئت به، وأنا رسول من ورائي من قومي ". قال: " وأنا ضمام ابن ثعلبة أخو بني سعيد بن بكر ". وفي الصحيحين وغيرهما عن طلحة بن عبيد الله " أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال: يا رسول الله، أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال: الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا. فقال: أخبرني ما فرض الله علي من الصيام؟ فقال: شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا. فقال: أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟ قال فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام. قال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق. أو: دخل الجنة إن صدق ". هذ لفظ البخاري في كتاب الصوم. وله عن أبي أيوب رضي الله عنه " إن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل يدخلني الجنة؟ قال: ماله ماله ". وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أرب ماله، تعبد الله ولا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم " ورواه مسلم وغيره. ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه: " أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة؟ قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان. قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا. فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ". وفي حديث ابن المنتفق رضي الله عنه في وفادته على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " قلت ثنتان أسألك عنهما: ما ينجيني من النار وما يدخلني الجنة؟ قال: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء ثم نكس رأسه ثم أقبل عليَّ بوجهه قال: لئن كنت أوجزت في المسألة لقد أعظمت وأطولت، فاعقل عني إذا، اعبد الله لا تشرك به شيئا وأقم الصلاة وأد الصلاة وأد الزكاة المفروضة وصم رمضان، وما تحب أن يفعله بك الناس فافعل بهم وما تكره أن يأتي إليك الناس فذر الناس منه " رواه أحمد. وفي رواية: " لئن كنت قصرت في الخطبة لقد أبلغت في المسألة، اتق الله لا تشرك بالله شيئا، وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتحج البيت وتصوم رمضان ". ولعل ابن المتفق هذا هو الرجل المبهم في رواية أبي أيوب المتقدمة في الصحيح، فإن في مسلم أن ذلك الرجل أخذ بخطام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو بزمامها، وفي آخرها قول النبي صلى الله عليه وسلم: " دع الناقة " بعد أن علمه. وابن المنتفق قال: فأخذت بخطام راحلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو قال: زمامها، وفي آخره قال صلى الله عليه وسلم: " خل سبيل الراحلة " وفي الرواية الأخرى: " خل طريق الركاب " فيشبه أن يكون هو صاحب القصة، وقد حفظ الصوم والحج زيادة على ما في حديث أبي أيوب ورجاله رجال الصحيح، وهو السائل، أعلم بجواب النبي صلى الله عليه وسلم وأوعى له وأحفظ له وأضبط من غيره. والله أعلم. وعن ربعي بن حراش عن رجل من بني عامر رضي الله عنه أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: اخرجي إليه فإنه لا يحسن الاستئذان فقولي له فليقل السلام عليكم، أأدخل؟ قال: فسمعته يقول ذلك فقلت: السلام عليكم، أأدخل؟ قال فأذن لي أو قال فدخلت فقلت: بم أتيتنا به؟ قال: لم آتكم إلا بخير، أتيتكم بأن تعبدوا الله وحده لا شريك له. قال شعبة: وأحسبه قال وحده لا شريك له، وأن تدعوا اللات والعزى، وأن تصلوا بالليل والنهار خمس صلوات، وأن تصوموا من السنة شهرا، وأن تحجوا البيت، وأن تأخذوا من مال أغنيائكم فتردوها على فقرائكم. قال فقال: فهل بقي من العلم شيء لا تعلمته؟ قال قد علمني الله عز وجل خيرا، وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل: (إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير) " (لقمان: 34) رواه أحمد ورجاله ثقات أئمة. وروى أبو داود طرفا منه. وعن السدوسي بن الخصاصية رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه فاشترط علي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن أقيم الصلاة، وأن أؤدي الزكاة، وأن أحج حجة الإسلام، وأن أصو م شهر رمضان، وأن أجاهد في سبيل الله. فقلت: يا رسول الله، أما اثنتان فوالله ما أطيقهما: الجهاد والصدقة، فإنهم زعموا أن من ولى الدبر فقد باء بغضب من الله، فأخاف إن حضرت تلك جشعت نفسي وكرهت الموت، والصدقة فوالله مالي إلا غنيمة وعشر ذود هن رسل أهلي وحمولتهم. قال فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ثم حرك يده ثم قال: فلا جهاد ولا صدقة فلم تدخل الجنة إذا؟ قال قلت: يا رسول الله، أنا أبيعك، قال فبايعت عليهن كلهن ". وعن زياد بن نعيم الحضرمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أربع فرضهن الله في الإسلام، فمن جاء بثلاث لم يغنين عنه شيئا حتى يأتي بهن جميعا: الصلاة والزكاة وصيام شهر رمضان وحج البيت " رواه أحمد مرسلا في الآيات الصريحة والأحاديث الصحيحة لا يخفى. وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما برزنا من المدينة إذا راكب يوضع نحونا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كأن هذا الراكب إياكم يريد " قال فانتهى الرجل إلينا فسلم فرددنا عليه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " من أين أقبلت؟ قال: من أهلي وولدي وعشيرتي. قال: فأين تريد؟ قال: أريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: " فقد أصبته " قال: يا رسول الله علمني ما الإيمان؟ قال: " تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ". قال: قد أقررت. قال ثم إن بعيره دخلت يده في شبكة جرذان فهوى بعيره وهوى الرجل فوقع على هامته فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " علي بالرجل " فوثب إليه عمار بن ياسر وحذيفة فأقعداه فقالا: يا رسول الله، قبض الرجل. قال فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أما رأيتما إعراضي عن الرجل، فإني رأيت ملكين يدسان في فيه من ثمار الجنة فعلمت أنه مات جائعا " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا والله من الذين قال الله تعالى فيهم: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) " (الأنعام: 82) ثم قال صلى الله عليه وسلم: " دونكم أخاكم " قال فاحتملناه إلى الماء فغسلناه وحنطناه وكفناه وحملناه إلى القبر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديث. رواه أحمد، وفي إسناده أبو جناب مختلف فيه، والمتن صحيح. والأحاديث في هذا المعنى كثيرة يطول استقصاؤها وفيما ذكرنا كفاية.
(أولها) أو أول هذه الأركان: (الركن الأساس الأعظم). الركن في اللغة الجانب الأقوى وهو بحسب ما يطلق فيه كركن البناء وركن القوم ونحو ذلك، فمن الأركان ما لا يتم البناء إلا به، ومنها ما لا يقوم بالكلية إلا به، وإنما قيل لهذه الخمسة الأمور أركان ودعائم لقوله صلى الله عليه وسلم: " بني الإسلام على خمس " فشبهه بالبنيان المركب على خمس دعائم، وهذا الركن هو أصل الأركان الباقية، ولهذا قلنا (الأساس) الذي لا يقوم البناء إلا عليه ولا يمكن إلا به ولا يحصل بدونه (الأعظم) هذه الصيغة مشعرة بتعظيم بقية الأركان وإنما هذا أعظمها، فإنها كلها تابعة له، ولا يدخل العبد في شيء من الشريعة إلا به. (وهو الصراط) الطريق الواضح (المستقيم) الذي لا اعوجاج فيه ولا غبار عليه، بل هو معتدل جلي نير. (الأقوم) أي الأعدل، من سلكه أوصله إلى جنات النعيم، ومن انحرف عنه هوى في قعر الجحيم. فإن من لم يثبت عليه في الدنيا لم يثبت على جسر جهنم يوم القيامة، وذلك الركن المشار إليه هو (ركن الشهادتين) هذا من إضافة الشيء إلى نفسه؛ أي الركن الذي هو الشهادتان، وهما شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فلا يدخل العبد في الإسلام إلا بهما، ولا يخرج منه إلا بمناقضتهما إما بجحود لما دلتا عليه، أو باستكبار عما استلزمتاه. ولهذا لم يدع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى شيء قبلهما، ولم يقبل الله تعالى ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد شيئا دونهما، فبالشهادة الأولى يعرف المعبود وما يجب له، وبالثانية يعرف كيف يعبده وبأي طريق يصل إليه، وكيف يؤمن بالعبادة أحد قبل تعريفه بالمعبود، وكيف يؤديها من لم يعرف كيف أمر الله أن يعبد؟ ففي الشهادة الأولى توحيد المعبود الذي ما خلق الخلق إلا ليعبدوه وحده لا شريك له، وفي الشهادة الثانية توحيد الطريق الذي لا يوصل إلى الله تعالى إلا منه، ولا يقبل دينا ممن ابتغى غيره ورغب عنه، فإن عبادة الله تعالى التي خلق الخلق لها وقضى عليهم إفراده تعالى بها هي أمر جامع لكل ما يحبه تعالى ويرضاه اعتقادا وقولا وعملا، ومعرفة محابه تعالى ومرضاته لا تحصل إلا من طريق الشرع الذي أرسل به رسوله وأنزل به كتابه (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) (آل عمران: 31) وقد قدمنا في النوع الثاني من أنواع التوحيد تحقيق الشهادتين وبيان تلازمهما وتوضيح نواقضهما، وبسطنا الكلام هناك وحررنا من الأدلة ما يغني عن الإعادة هنا. (فاثبت) أيها العبد المريد نجاة نفسه من النار والفوز بالجنة على هذا الصراط المستقيم النير الواضح الجلي، ولا تستوحش من قلة السالكين، وإياك أن تنحرف عنه فتهلك مع الهالكين؛ فإن الله عز وجل ينادي يوم القيامة: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك؟ فيقول: أخرج بعث النار. فيقول: من كم؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين. فالناجي حينئذ واحد من ألف، فاغتنم أن تكون من تلك الآحاد، واحذر أن تغتر بجموع الضلالة فتكون من حطب جهنم وبئس المهاد. (واعتصم) أي استمسك (بالعروة) أي بالعقد الأوثق في الدين، والسبب الموصل إلى رب العالمين (الوثقى) تأنيث الأوثق (التي لا تنفصم) أي لا تنقطع، وقد تقدم في الكلام على لا إله إلا الله أنها هي العروة الوثقى، وذلك واضح في قوله تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم) (البقرة: 256) وتقدم أن شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم والإيمان به هو شرط في الإيمان بالله، وما كان من شرط في الشهادة الأولى فهو شرط في الثانية. الصلاة (وثانيا) من الأركان الخمسة (إقامة الصلاة) بجميع حقوقها ولوازمها. (وثالثا تأدية الزكاة) إعطاؤها على الوجه المشروع، وقد تقرر اقتران هذين الركنين بالتوحيد وتقديمهما بعده على غيرهما في غير موضع من القرآن أمرا وخبرا، قال الله تعالى: (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) (البقرة: 2- 3) وقال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) (البقرة: 277) وقال تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون) (النور: 56) وقال تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) (البينة: 5) وقال تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم) (التوبة: 5) وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له: " إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم. فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب "، وفي رواية: " فليكن ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله تعالى فأخبرهم " الحديث. ولنذكر طرفا من النصوص المتعلقة بالصلاة على انفرادها، ثم نذكر ما تيسر من نصوص الزكاة والله المستعان.
اعلم- هدانا الله وإياك- أن الصلاة قد اشتملت على جل أنواع العبادة من الاعتقاد بالقلب والانقياد والإخلاص والمحبة والخشوع والخضوع والمشاهدة والمراقبة والإقبال على الله عز وجل وإسلام الوجه له والصمود إليه والاطراح بين يديه، وعلى أقوال اللسان وأعماله من الشهادتين وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتقديس والتمجيد والتهليل والتكبير والأدعية والتعوذ والاستغفار والاستغاثة والاستعانة والافتقار إلى الله تعالى والثناء عليه والاعتذار من الذنب إليه والإقرار بالنعم له وسائر أنواع الذكر. وعلى عمل الجوارح من الركوع والسجود والقيام والاعتدال والخفض والرفع وغير ذلك. هذا مع ما تضمنته من الشرائط والفضائل- منها الطهارة الحسية من الأحداث والأنجاس الحسية، والمعنوية من الإشراك والفحشاء والمنكر وسائر الأرجاس- وإسباغ الوضوء على المكاره ونقل الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، وغير ذلك مما لم يجتمع في غيرها من العبادات. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وجعلت قرة عيني في الصلاة " ولاشتمالها على معاني الإيمان سماها الله إيمانا في قوله عز وجل: (وما كان الله ليضيع إيمانكم) (البقرة: 143). وهي ثانية أركان الإسلام في الفرضية، فإنها فرضت في ليلة المعراج بعد عشر من البعثة لم يدع الرسول صلى الله عليه وسلم قبلها إلى شيء غير التوحيد الذي هو الركن الأول، ففرضت خمسين، ثم خففها الله عز وجل إلى خمس كما تواترت النصوص بذلك في الصحيحين وغيرهما. وهي ثانية في الذكر، فما ذكرت شرائع الإسلام في آية من الآيات أو حديث من السنة إلا وبدئ بها بعد التوحيد قبل غيرها كما في الآيات السابقة وكما في حديث جبريل وحديث " بني الإسلام " وحديث وفد عبد القيس وحديث معاذ بن جبل وحديث " أمرت أن أقاتل الناس " وغيرها مما لا يحصى. وهي ثانية في آيات الأمر بالجهاد وفي آيات وعيد الكفار كما في قوله تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة) (التوبة: 5) الآية. وقوله: (كلوا وتمتعوا إنكم مجرمون ويل يومئذ للمكذبين وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ويل يومئذ للمكذبين) (المرسلات 46- 49) وهي ثانية في مدح المؤمنين كما في قوله تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) (المؤمنون: 1- 2) وفي ذم الكفار بتركها كما في قوله عز وجل: (فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) (الانشقاق: 20- 21) وقوله: (فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى) (القيامة 31- 32) وكذا في ذم المنافقين بعدم اهتمامهم لها كما في قوله تعالى: (إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كس إلى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا) (النساء: 142). وهي ثانية في حساب العبد يوم القيامة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة صلاته، فإن تقبلت منه تقبل منه سائر عمله، وإن ردت عليه رد عليه سائر عمله ". ومعنى قوله: " أول ما يسأل عنه العبد "؛ أي بعد التوحيد. وهي ثانية فيما يذكر المجرمون أنهم عوقبوا به كما في قوله تعالى: (في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين) (المدثر: 40- 43) الآيات. والنصوص في شأنها كثيرة لا تحصى وهي متنوعة، فمنها ما فيه الأمر بها كقوله: (حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) (البقرة: 238) وقوله: (وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر) (العنكبوت: 45) وقوله: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) (الإسراء 78) وما في معناها. ومنها ما فيه بيان محلها من الدين كالنصوص السابقة وكقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: " رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله ". ومنها في ثواب أهلها كقوله عز وجل: (والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) (المؤمنون: 9- 11). ومنها ما فيه ذكر نجاتهم من النار كقوله صلى الله عليه وسلم في عصاة الموحدين " فيعرفونهم بآثار السجود، تأكل النار من ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ". ومنها ما في عقاب تاركها كقوله عز وجل: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) (الماعون: 4- 5) وقوله تعالى: (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب) (مريم: 59- 60) الآية. وقوله تعالى: (يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذله وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون) (القلم: 42- 43) ومنها ما فيه تكفير تاركها ونفي الإيمان عنه وإلحاقه بإبليس كقوله تعالى: (فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا) (مريم: 59- 60) فإنه لو كان مضيع الصلاة مؤمنا لم يشترط في توبته الإيمان. وقوله: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) (التوبة: 11) فعلق أخوتهم للمؤمنين بفعل الصلاة فإذا لم يفعلوا لم يكونوا إخوة للمؤمنين فلا يكونون مؤمنين. وقال تعالى: (إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون) (السجدة: 15) وقوله تعالى: (فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) (البقرة: 34). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد،÷ اعتزل الشيطان يبكي يقول: يا ويله- وفي رواية: يا ويلي- أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار ". وفيه عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " رواه الترمذي، وقال حسن صحيح. وله عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر "، قال وفي الباب عن أنس رضي الله عنه وابن عباس هذا حديث حسن صحيح غريب. وروى الإمام أحمد والنسائي عن محجن بن الأدرع الأسلمي " أنه كان في مجلس مع النبي صلى الله عليه وسلم فأذن بالصلاة فقام النبي صلى الله عليه وسلم ثم رجع ومحجن في مجلسه، فقال له: ما منعك أن تصلي، ألست برجل مسلم؟ قال: بلى، ولكني صليت في أهلي. فقال له: إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت " فجعل الفارق بين المسلم والكافر الصلاة. ولفظ الحديث يتضمن أنك لو كنت مسلما لصليت. وفي المسند والأربع السنن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوما فقال له: " من حافظ عليها كانت له نورا وبرهان ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف ". ورجال أحمد ثقات. وتقدم الحديث الذي في البخاري في صفة المسلم: " من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا " الحديث.
وقال الترمذي رحمه الله: حدثنا قتيبة أخبرنا بشر بن المفضل عن الجريري عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. ومنها ما فيه التصريح بوجوب قتله، كقوله عز وجل: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة) (التوبة: 5) الآية. وقوله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " الحديث وغير ذلك من الآيات والأحاديث. وأما الآثار في شأنها عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم فأكثر من أن تحصر، وقد أجمعوا على قتله كفرا إذا كان تركه الصلاة عن جحود لفرضيتها أو استكبار عنها وإن قال لا إله إلا الله، لما تقدم من الآيات والأحاديث السابقة، ولدخوله في التارك لدينه المفارق للجماعة وفي قوله صلى الله عليه وسلم: " من بدل دينه فاقتلوه " فإنه بذلك يكون مرتدا مبدلا لدينه. وأما إن كان تركه لها لا لجحود ولا لاستكبار، بل لنوع تكاسل وتهاون كما هو حال كثير من الناس، فقال النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم: قد اختلف العلماء فيه، فذهب مالك والشافعي رحمهما الله تعالى والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق ويستتاب، فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزاني المحصن ولكنه يقتل بالسيف. وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر وهو مروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهي إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله، وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي رضوان الله عليه، وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي رحمهم الله تعالى إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي. قال رحمه الله: واحتج من قال بكفره بظاهر حديث جابر: " إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة " وبالقياس على كلمة التوحيد. واحتج من قال لا يقتل بحديث: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث " وليس فيه الصلاة. واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (النساء: 48) وبقوله صلى الله عليه وسلم: " من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، ومن مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة، ولا يلقى الله عبد بهما غير شاك فيحجب عن الجنة، وحرم الله على النار من قال لا إله إلا الله " وغير ذلك، واحتجوا على قتله بقوله تعالى: (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) (التوبة: 5)، وقوله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم " وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم: " بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة " على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة الكافر وهي القتل، أو أنه محمول على المستحل، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر، أو أن فعله فعل الكفار، والله أعلم. انتهى كلامه. وقد قدمنا في شروط لا إله إلا الله، وفي بيان مراتب الدين وفي بيان أنواع الكفر ما فيه غنية، وذكرنا هنا ما تيسر من النصوص في شأنها. وقد بسط الحافظ ابن القيم في كتاب الصلاة الكلام على هذه المسألة بسطا حسنا فليراجع الزكاة.
وأما الزكاة فقد تقدم ذكرها في نصوص الصلاة وغيرها، ومما يتعلق بها على انفرادها قوله عز وجل: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم) (التوبة: 103) وقوله في صفات عباده المؤمنين: (والذين هم للزكاة فاعلون) (المؤمنون: 4) وقوله تعالى في ذم الكفار ووعيدهم: (وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) (فصلت: 6- 7) وإن كانت هذه الآية في زكاة النفوس فهي عامة لزكاة الأموال أيضا وقد فسرت بها، وقوله تعالى في وعيد مانعيها مطلقا: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) (التوبة: 34- 35) يوضح ذلك الحديث الذي فيه: " ما أديت زكاته فليس بكنز " وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. قيل: يا رسول الله، فالإبل؟ قال: ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها، ومن حقها حلبها يوم وردها. إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطأه بأخفافها وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها أعيد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار. وقيل: يا رسول الله، فالبقر والغنم؟ قال: ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر ولا يفقد منها شيئا ليس فيها عفصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطأه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار " الحديث بطوله. وفيه عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر تطأه ذات الظلف بظلفها وتنطحه ذات القرن بقرنها، ليس فيها يومئذ جماء، ولا مكسورة القرن " الحديث. وفيه: " ولا من صاحب مال لا يؤدي زكاته إلا تحول يوم القيامة شجاعا أقرع يتبع صاحبه حيثما ذهب، وهو يفر منه ويقال: هذا مالك الذي كنت تبخل به. فإذا رأى أنه لا بد منه أدخل يده في فيه فجعل يقضمها كما يقضم الفحل ". وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها على رقبته لها يعار، فيقول: يا محمد. فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغت. ولا يأتي أحدكم ببعير يحمله على رقبته له رغاء فيقول: يا محمد. فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغت ". وفيه عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه- يعني شدقيه- ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك. ثم تلا: (ولا يحسبن الذين يبخلون) (آل عمران: 180) الآية. وفيه عن خالد بن أسلم قال: خرجنا مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فقال أعرابي: أخبرني عن قول الله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) (التوبة: 34) قال ابن عمر: من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له، إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة، فلما أنزلت جعلها الله تعالى طهرة للأموال. وقد ثبتت البيعة عليها بعد الصلاة كما قال البخاري رحمه الله تعالى " باب البيعة على إيتاء الزكاة " (فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) (التوبة: 11) حدثنا ابن نمير قال حدثني أبي قال حدثنا إسماعيل عن قيس قال: قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. والنصوص فيها كثيرة وفي ما تقدم كفاية.
وأما حكم تاركها فإن كان منعه إنكارا لوجوبها فكافر بالإجماع بعد نصوص الكتاب والسنة، وإن كان مقرا بوجوبها وكانوا جماعة ولهم شوكة قاتلهم الإمام لما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل " فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، ولو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها. قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق. وفي رواية: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق. وهذا الذي استنبطه أبو بكر رضي الله عنه مصرح به في منطوق الأحاديث الصحيحة المرفوعة كحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل " وغيره من الأحاديث. وقد جهز النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد لغزو بني المصطلق حين بلغه أنهم منعوا الزكاة ولم يكن ما بلغه عنهم حقا، فروى الإمام أحمد قال: حدثنا محمد بن سابق حدثنا عيسى بن دينار حدثني أبي أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي رضي الله عنه يقول: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت: يا رسول الله، أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته، وترسل إلي يا رسول الله رسولا إبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة، فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه، احتبس عليه الرسول ولم يأتيه وظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا بسروات قومه فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة، فانطلقوا نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فرق- أي خاف- فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث البعث إلى الحارث رضي الله عنه، وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك. قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله. قال رضي الله عنه: لا والذي بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني. فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي، قال رضي الله عنه: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني ولا أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم، خشيت أن يكون كانت سخطة من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال فنزلت الحجرات: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) إلى قوله: (نادمين) (الحجرات: 6) ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان التمار عن محمد بن سابق به. ورواه الطبراني من حديث محمد بن سابق به. وقال ابن جرير رحمه الله تعالى: حدثنا أبو كريب حدثنا جعفر بن عون عن موسى بن عبيدة عن ثابت مولى أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: بعث رسول الله رجلا في صدقات بني المصطلق بعد الوقيعة، فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظمون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، قالت فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون، قالت فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصفوا له حين صلى الظهر فقالوا: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، بعثت إلينا رجلا مصدقا فسررنا بذلك وقررت به أعيننا، ثم إنه رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضبا من الله تعالى ومن رسوله. فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء بلال فأذن لصلاة العصر، قالت ونزلت: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجاهلة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) (الحجرات: 6). وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن عقبة بن أبي معيط إلى بني المصطلق ليأخذ منهم الصدقات، وأنهم لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا يتلقونه، رجع الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني المصطلق قد منعوا من الصدقة، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضبا شديدا، فبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد فقالوا: يا رسول الله، إنا حدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق، وإنا خشينا أنما رده كتاب جاء منك لغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، وأن النبي استغشهم وعم بهم، فأنزل الله تبارك وتعالى عذرهم في الكتاب فقال: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) (الحجرات: 6) إلى آخر الآية. وقال مجاهد وقتادة: أرسل رسول الله الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق ليصدقهم فتلقوه بالصدقة، فرجع فقال: إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك- زاد قتادة: وأنهم قد ارتدوا عن الإسلام- فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه إليهم وأمره أن يتثبت ولا يعجل، فانطلق حتى أتاهم ليلا فبعث عيونه، فلما جاءوا أخبروا خالدا رضي الله عنه أنهم مستمسكون بالإسلام، وسمعوا أذانهم وصلاتهم، فلما أصبحوا أتاهم خالد رضي الله عنه فرأى الذي يعجبه فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، فأنزل الله تعالى هذه الآية. أهـ. من تفسير الحجرات لابن كثير رحمه الله تعالى. وذكر البغوي رحمه الله تعالى نحو حديث ابن عباس وفيه: فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أن يغزوهم فبلغ القوم رجوعه فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله، سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلناه من حق الله تعالى فبدا له في الرجوع فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فاتهمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث خالد بن الوليد إليهم خفية في عسكر وأمره أن يخفي عليهم قدوم قومه، وقال له: انظر فإن رأيت منهم ما يدل على إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم، وإن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل في الكفار. ففعل ذلك خالد، ووافهم فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء فأخذ منهم صدقاتهم ولم ير منهم إلا الطاعة والخير، فانصرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر، فأنزل الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) (الحجرات: 6) الآية. وأما إن كان الممتنع عن أداء الزكاة فردا من الأفراد فأجمعوا على أنها تؤخذ منه قهرا، واختلفوا من ذلك في مسائل: إحداها هل يكفر أم لا؟ فقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة. وقال أيوب السختياني: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه. وذهب إلى هذا القول جماعة من السلف والخلف وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق، وحكى إسحاق عليها إجماع أهل العلم، وقال محمد بن نصر المروزي: هو قول جمهور أهل الحديث، وذهب طائفة منهم إلى أن من ترك شيئا من أركان الإسلام الخمس عمدا أنه كافر. وروي ذلك عن سعيد بن جبير ونافع والحكم وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها طائفة من أصحابه وهو قول ابن حبيب من المالكية، وخرج الدارقطني وغيره قطني من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل يا رسول الله، الحج في كل عام؟ قال: " لو قلت نعم لوجب عليكم ولو وجب عليكم ما أطقتموه، ولو تركتموه لكفرتم " وعن ابن مسعود أن تارك الزكاة ليس بمسلم، وعن أحمد رواية أن ترك الصلاة والزكاة كفر دون الصيام والحج. وقال ابن عيينة: المرجئة سموا ترك الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم، وليس سواء؛ لأن ركوب المحارم متعمدا من غير استحلال معصية، وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر كفر. وبيان ذلك في أمر إبليس، وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه. المسألة الثانية هي يقتل أم لا؟ الأول: هو المشهور عن أحمد رحمه الله تعالى، ويستدل له بحديث ابن عمر رضي الله عنهما: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله " الحديث. والثاني: لا يقتل، وهو قول مالك والشافعي ورواية عن أحمد رحمهم الله تعالى. وروى اللالكائي من طريق مؤمل قال: حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن مالك البكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ولا أحسبه إلا رفعه قال: عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام، شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة، وصوم رمضان. من ترك منهم واحد فهو بها كافر ويحل دمه، وتجده كثير المال لم يحج، فلا يزال بذلك كافرا، ولا يحل بذلك دمه، وتجده كثير المال ولا يزكي، فلا يزال بذلك كافرا ولا يحل دمه. ورواه قتيبة بن سعيد عن حماد بن زيد مرفوعا مختصرا، ورواه سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد عن عمرو بن مالك بهذا الإسناد مرفوعا، وقال: من ترك منهن واحدة- يعني الثلاث الأول- فهو بالله كافر ولا يقبل منه صرف ولا عدل وقد حل دمه وماله. ولم يذكر ما بعده. المسألة الثالثة: لمن لم ير قتله هل ينكل بأخذ شيء من ماله مع الزكاة؟ وقد روي في خصوص المسألة حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه قال: قال رسول الله: " في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون، لا تفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شيء " رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الحاكم، وعلق الشافعي القول به على ثبوته، فإنه قال: لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولو ثبت لقلنا به. والرابع الصيام فاسمع واتبع *** والخامس الحج على من يستطع
الركن الرابع من أركان الإسلام: الصيام، وهو في اللغة: الإمساك، وفي الشرع: إمساك مخصوص في زمن مخصوص بشرائط مخصوصة. وكان فرض صوم شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة هو والزكاة قبل بدر، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيرا فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه) (البقرة: 183- 185) إلى آخر الآيات، وقد تقدمت الأحاديث فيه. وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع كفر من جحد فرضيته، وتقدم القول بقتل تاركه مع الإقرار والاعتراف بوجوبه، وقوله (فاسمع واتبع) مأخوذ من قول الله عز وجل: (فبشر عبادِ الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب) (الزمر: 17- 18)
الركن الخامس: الحج، وهو (على من يستطع) أي من استطاع إليه سبيلا، قال الله تعالى: (ولله على الناس حِجُّ البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) (آل عمران: 97) قد ذكر الله تعالى تفصيله في سورة البقرة من قوله تعالى: (وأتموا الحج والعمرة لله) إلى قوله: (إليه تحشرون) (البقرة: 196). واشتراط الاستطاعة فيه مصرح به في الآية وفي حديث جبريل وفي حديث معاذ وغيرها، وفسره النبي بالزاد والراحلة. ولا خلاف في كفر من جحد فرضيته، وتقدم الخلاف في كفر تاركه مع الإقرار بفرضيته. وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: " تعجلوا الحج- يعني الفريضة- فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له ". ورواه أبو داود بلفظ: " من أراد الحج فليتعجل ". وروى الإسماعيلي بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن غنم أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: من أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهوديا أو نصرانيا. وروى سعيد بن منصور في سننه عن الحسن البصري قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا إلى كل من كان عنده جدة فلم يحج فيضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين. وروى البغوي عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي قال: " من لم تحبسه حاجة ظاهرة أو مرض حابس أو سلطان جائر ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا ". وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أيها الناس، قد فرض عليكم الحج فحجوا ". فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت. حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم " ثم قال: " ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، وإذا أمرتم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتم عن شيء فدعوه ". ورواه مسلم بنحو هذا والله أعلم. وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " يا أيها الناس، إن الله تعالى كتب عليكم الحج " فقام الأقرع بن حابس فقال: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فقال: " لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم يعملوا بها، ولن تستطيعوا أن تعملوا بها. الحج مرة فمن زاد فهو تطوع ".
قال الله عز وجل: (سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) (آل عمران: 133- 136) الآيات. وقال تعالى: (الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرءون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لما أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) (القصص: 52- 55) وقال تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما إنها ساءت مستقرا ومقاما والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما أولئك يجزون الغرقة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما) (الفرقان: 63- 76) وقال تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين) (التوبة: 111- 112) وقال تعالى: (إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون) (المعارج: 19- 35) وقال تعالى: (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم) إلى قوله: (الوارثون) (المؤمنون: 1- 10) الآيات. وقال تعالى: (إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون والذين هم بآيات ربهم يؤمنون والذين هم بربهم لا يشركون والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون ولا نكلف نفسا إلا وسعها) (المؤمنون: 57- 62) وقال تعالى: (إن المتقين في جنات وعيون آخدين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم) (الذريات: 15- 19). وقال تعالى: (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبة ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) (البقرة: 177) وقال تعالى: (إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات واالخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) (الأحزاب: 35). وقال تعالى: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق) إلى قوله: (ولله عاقبة الأمور) (الحج 27- 41) وقال تعالى: (للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) (الحشر 9- 10). وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد) (الحشر: 18) الآيات. وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) (الممتحنة: 1) إلى آخر السورة. وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله) (الحجرات: 1) إلى آخر السورة. وقال تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالولدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالحنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا) (النساء: 36). وقال تعالى: (وذروا ظاهر الإثم وباطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون) (الأنعام: 120). وقال تعالى: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) (الأنعام: 151- 153). وقال تعالى: (وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لها قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا ربكم أعلم بما في نفوسكم إن تكونوا صالحين فإنه كان للأوابين غفورا وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقى في جهنم ملوما مدحورا) (الإسراء 23- 39). وقال تعالى: (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) (الأعراف: 33) وقال تعالى: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون) (النحل: 90- 91) الآيات. وقال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (الحشر: 7) وقال تعالى: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء) (الأعراف: 3) وقال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) (آل عمران: 31) الآيتين. وقال تعالى: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا) (فصلت: 30) الآيات. وقال تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) (الكهف: 11). وآيات القرآن في هذا الباب كثيرة وشهيرة لا تخفى، بل القرآن كله في تقرير الدين من فاتحته إلى خاتمته: دعوة وبشارة ونذارة، وأمر ونهي وخبر، كله لا يخرج عن شأن الدين: إما دعوة إليه، أو بشارة لمن اتبعه برضاء الله والجنة، أو نذارة لمن أبى عنه من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، أو أمر بشرائعه أصولها وفروعها وآدابها وأحكام كل منها، أو نهي عن نواقضه جميعه أو نواقض شيء منها، أو ما يوجب أدنى خلل فيه أو في شيء من شرائعه، أو خبر عن نصر من جاء به صدق وحفظه وتأييده في الدنيا، أو خبر عما أعد الله لهم في الآخرة من الفوز والنعيم والنجاة من عذاب الجحيم، أو خبر عن إهلاك من استكبر عنه في الدنيا وما أحله الله بهم من غضبه عاجلا من الخسف والمسخ والقذف وغير ذلك، وما أعده لهم في الآخرة من العذاب والعقاب، وما فاتهم وحرموه من الثواب وغير ذلك. وأما الأحاديث فمنها قوله صلى الله عليه وسلم: " الإيمان بضع وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه " قال عبادة بن الصامت: فبايعناه على ذلك. وقوله صلى الله عليه وسلم: " من يبايعني على هذه الثلاثة الآيات: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئا) (الأنعام: 151) الآيات. وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاوية بن حيدة لما قال له: " ما الذي بعثك الله به؟ قال: الإسلام. قلت: وما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك لله تعالى، وأن توجه وجهك لله، وأن تصلي الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة ". وفي رواية قال: " وما آية الإسلام؟ قال: أن تقول أسلمت وجهي لله وتخليت، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وكل المسلم على المسلم حرام ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمور، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ". وقوله صلى الله عليه وسلم في جواب أي المسلمين أفضل؟ قال: " من سلم المسلمون من لسانه ويده ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى هاهنا- وأشار إلى صدره ثلاثا- بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ". وقوله صلى الله عليه وسلم في جواب من قال أي الإسلام خير؟ قال: " أن تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". وقوله صلى الله عليه وسلم في جواب من سأله: قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا غيرها. قال: " قل آمنت بالله ثم استقم ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " ذاق طعم الإيمان من رضي الله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا رسولا ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " وفي رواية: " من أهله وماله ". وفي حديث أبي رزين قال: قلت يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وأن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما، وأن تحترق في النار أحب إليك من أن تشرك بالله شيئا، وأن تحب غير ذي نسب لا تحبه إلا لله، فإذا كنت كذلك فقد دخل حب الإيمان في قلبك كما دخل حب الماء للظمآن في اليوم القائظ ". قلت: يا رسول الله، كيف لي بأن أعلم أني مؤمن؟ قال: " ما من أمتي- أو قال هذه الأمة- عبد يعمل حسنة فيعلم أنها حسنة وأن الله مجازيه بها خيرا، ولا يعمل سيئة فيعلم أنها سيئة ويستغفر الله منها ويعلم أنه لا يغفرها إلا الله إلا وهو مؤمن ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " من سرته حسناته وساءته سيئاته فهو مؤمن ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " صريح الإيمان إذا أسأت أو ظلمت عبدك أو أمتك أو أحدا من الناس صمت أو تصدقت، وإذا أحسنت استبشرت ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " المؤمنون في الدنيا على ثلاثة أجزاء: الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذي يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، ثم الذي إذا أشرف على طمع تركه لله عز وجل ". وفي حديث عمرو بن عبسة: " قلت: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال: طيب الكلام، وإطعام الطعام. فقلت: ما الإيمان؟ قال: الصبر والسماحة. قلت: أي الإسلام أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. قلت: أي الإيمان أفضل؟ قال: خلق حسن ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم الإيمان: من عبد الله وحده بأنه لا إله إلا هو، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام " الحديث. وفي آخره: " فقال رجل: فما تزكية المرء نفسه يا رسول الله؟ قال: أن يعلم أن الله معه حيثما كان ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ". وفي رواية: " المؤمنون كرجل واحد، إذا اشتكى عينه اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه اشتكى كله ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا- وشبك بين أصابعه ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن في أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان كما يألم الجسد لما في الرأس ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " المؤمن مرآة المؤمن، أخو المؤمن، يكف عنه ضيعته ويحوطه من ورائه ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قالوا: من ذلك يا رسول الله؟ قال: من لا يأمن جاره بوائقه ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " من أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، فقد استكمل إيمانه ". وسئل صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان فقال: " أن تحب لله، وتبغض لله، وتعمل لسانك في ذكر الله. فقال: وماذا يا رسول الله؟ قال: " أن تحب للناس ما تحب لنفسك، وتكره لهم ما تكره لنفسك " وفي رواية: " وأن تقول خيرا أو تصمت ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا يستحق العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله، فإذا أحب لله وأبغض لله فقد استحق الولاية من الله تعالى ". وقوله صلى الله عليه وسلم: " أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله ". وقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بعد ما أخبره بأركان الإسلام قال: " ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم تلا: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون) (السجدة: 16) ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامة الجهاد في سبيل الله "، ثم قال له: " ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ فأخذ بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا ".
|